نمط الإنتاج الكولونيالي
محاورات في الاقتصاد السياسي

عادل سمارة

جادل حمزة علوي بأن الهند خلال الحكم الاستعماري، لم تكن لا إقطاعية (حيث كان هناك إنتاج سلعي واسع) ولا رأسمالية (حيث كان التراكم بسيطاً). وهو لم يكن شغوفاً للقول، بأن هناك تجميعا تراكمياً للأنماط أو على شكل طبقات بنيوية منعزلة عن بعضها البعض، لأن أنماط إنتاج مختلفة يمكن أن تتواجد فقط في حالة تناقض، في حين أنَّ البنى الزراعية في الهند لم تكن في حالة صراع مع مصالح رأس المال. فلم يزعم أحد أن صراعاً كان هناك بين الطبقة الرأسمالية "الريفية"، وبين سادة الأرض "الإقطاعيين". (ويمكن للمرء قول الأمر ذاته عن بريطانيا).

إن فكرته الأساسية، هي أن تتم استعادة المفهوم الكلاسيكي لأنماط الإنتاج كمراحل للتطور. فالكولونيالية لا يمكن أن تتطابق بأية طريقة بسيطة، لا مع مرحلة الرأسمالية ولا الإقطاع، لذا لا بد أن تكون شيئاً مختلفاً آخر، إنها مرحلة كولونيالية.

هنا يصبح السؤال:
• هل هي خليط أنماط انتقالية، بينما الحسم لسياسة الاستعمار؟ مثلا كالمناطق الفلسطينية المحتلة 1967، أليس الحسم للاستعمار الاستيطاني الصهيوني، الذي يسيطر فيه نمط إنتاج رأسمالي؟ وهناك سؤال آخر: هل ما أقلق علوي وغيره ولاحقاً مهدي عامل، شيء غير سلخ الفائض، وحتى في شكله المحدّد القيمة الزائدة؟؟
• ما هي طبيعة اختلافها عن الرأسمالية وعن الإقطاع؟
• أليست هي جوهرياً رأسمالية، ولكن ليس ضمن الدولة القومية الواحدة؟ وهذا يفتح على نقاش استخلاص القيمة الزائدة على صعيد ما فوق قومي.
• أليست هي الأنوية الأولية للعولمة، أي لخروج السوق القومي والإنتاج القومي إلى الصعيد العالمي؟
• إنها اختلاف وتوافق، فهي ليست مقطوعة عن الرأسمالية، بل هي تمددها الطبيعي.
• لا شك أن المفترض، قراءة هذه العلاقات الطبقية المختلفة، لأنَّ الطبقات مختلفة.
• ألم تمتد في دولة ما بعد الاستعمار لتصبح محيطية؟ ألا نلاحظ جوهرها التابع.
• هل هي خليط الاقتصادي والسياسي الاستعماري والمحلي المركب.

يجادل حمزة علوي بأن النمط الكولونيالي يتسم بوجود سلطة دولة برجوازية كولونيالية، وعدم تمفصل داخلي جواني، وإنتاج سلعي معمم، وتحويل الفائض إلى المتروبول، وافتقار للتراكم. وهذه بالطبع الملامح التي وصفها باران تماما كتخلف أو أمين "للرأسمالية المحيطية". إذن هي رأسمالية، ولكن متخارجة بالتوافق مع طبيعتها، بل متوافقة قسراً لأن الحالة استعمارية.
بوسع علوي وصفها بأنها نمط إنتاج، ولكنها ليست مثل أي مفهوم ماركسي لنمط الإنتاج. إنها ليست بنية مفاهيمية مجردة، وليست لها علاقات إنتاج معرفة/ ولا تشتمل على أي معارضة طبقية معينة. وعليه، لا يوجد ما يفيد من وصفه بأنه نمط إنتاج كولونيالي. والنتيجة التي رسمتها هي أن "مراحل" مفهوم نمط الإنتاج، التي فيها مجموعة من الأنماط -غير متطابقة أو منسجمة، وتلي بعضها بعضاً بحيث يدمر الجديد القديم ويطرده-ليست كافية للتعامل مع تجربة الكولونيالية والتخلف.

مرة أخرى، هل يمكن اعتماد استنتاج مركب هو: نظام سياسي كولونيالي، ونظام اقتصادي رأسمالي، ونمط إنتاج يهيمن فيه الرأسمالي. هل يفيد هنا تحديد من هي الطبقات المتشاركة والمتحالفة في فهم البنية، مثلاً:
يسأل بريور عن علاقات الإنتاج بين الطبقات في النمط الكولونيالي، خاصة أن فيليب راي يرتكز عليها؟ أي علاقات الإنتاج التي يرتكز عليها النمط لإعادة إنتاج الطبقات. من هي الطبقة السائدة؟ الإدارية؟ يرى أن المنظومة الكولونيالية لا تعيد إنتاج نفسها، بل بالأحرى تنتج شروط السيطرة الرأسمالية.
أعتقد بدوري أن الأمر أوسع. هي لا تعيد إنتاج نفسها، لأنها تعمل تحت شروط السيطرة الاستعمارية، مما ينتهي بنا إلى إسقاطها هي والسيطرة الاستعمارية الرأسمالية بالعامل السياسي القومي، وليس إعادة إنتاجها عبوراً إلى مرحلة، تُسمى افتراضاً: ما بعد الاستعمار، وهي مسألة جدالية خلافية، بمعنى هل هي ما بعده فعلاً؟ أم أنها من ناحية اقتصادية، أي من حيث نمط الإنتاج، هل هي رأسمالية، أم تحمل سمات ما يسمى نمط الإنتاج الكولونيالي؟ ولو افترضنا تسميتها/ه النمط الذي تلا الاستعمار بنمط الإنتاج ما بعد الكولونيالي، فما هي سماته المختلفة عن الرأسمالية المحيطية أو التابعة؟ أي أن نقاشي مفاده: ما الفارق بين نمط الإنتاج الكولونيالي أثناء وبعد الاستعمار؟

يصل بريور إلى قناعة أن الرأسمالية تعيق تطور المحيط، وحتى حين يحاول الإفلات، تعيده للوراء؟ وهكذا يلتقي مع فرانك. ومع اللحظة هنا في الأرض المحتلة، بل مع حالة معظم الوطن العربي.
هل نسحب هذا على الاحتلال؟؟ وهل هذا رد على نمط الإنتاج الكولونيالي: مساهمة حمزة علوي ومهدي عامل، في أنهما فتحا الباب؟ تفسيرهما لافتاً، لكنه ليس قوياً.

فما الفارق بين النمط الكولونيالي والتشكيلات الاستيطانية البيضاء، التي بدأت كاستعمار استيطاني؟ أليس الفارق فقط في المستوى السياسي العنصري، بمعنى أن الاستيطان الأبيض خلق تشكيلات رأسمالية حقيقية لعنصره، وفي المحيط فرض على الأمم المستعمَرة-التي ليس شعبها مستوطناً تشكيلات رأسمالية مشوهة للشعوب الأخرى. أي ليس الفارق في الآلية الاقتصادية؟
ينتهي بريور ص 200 غير مقتنع بالنمط الكولونيالي.

سؤالي الآخر، ما هي الطبقات المترتبة على نمط الإنتاج الكولونيالي؟ أجنبية أم محلية، وما التناقض والتحالف فيما بينها؟
يسأل بريور عن علاقات الإنتاج بين الطبقات في النمط الكولونيالي، خاصة أن فيليب راي يرتكز عليها؟ أي علاقات الإنتاج التي يرتكز عليها النمط لإعادة إنتاج الطبقات. من هي الطبقة السائدة؟ الإدارية؟ يرى أن المنظومة الكولونيالية لا تعيد إنتاج نفسها، بل بالأحرى هي تنتج شروط السيطرة الرأسمالية.

جدل تيرنر: كتب تيرنر،
"تاريخياً، لم يوجه الاستثمار الرأسمالي نحو البلدان التي تملك فائض عمالة، بل نحو تلك التي تملك نقصًا في العمالة، مما فرض استيراد العمل المتعاقد أو عمل العبيد لتأمين إمداد كاف من العمل، وحيث تم استثمار الرأسمال أو وجدت السلع الجاهزة لنفسها سوقاً، نتج عن ذلك تدمير للرأسمال الصناعي المحتمل في المستعمرة، وتمَّ استبداله برأسمال تجاري كمبرادوري خدم عملاؤه مصالح الرأسمال الأجنبي، بالتحالف مع الملاكين الإقطاعيين المدينيين ".
هذا يعني أن النمط الكولونيالي ليس إنتاجيا بقدر ما هو استغلال وتجريف استعماري مما يعيقه عن إعادة إنتاج نفسه، بل هو في أحسن الأحوال نموذجٌ لإعادة اقتصاد التساقط.

لكن ما لم يلاحظه تيرنر أن وراء هذه السياسات كان نهب المحيط أو المستعمرات، أي الأمم والقارات القديمة، وإعادة استثمار المنهوب في المستعمرات /المستوطنات البيضاء، أي النهب من الهند والاستثمار في أمريكا الشمالية. وهي الظاهرة التي نتجت عنها المستوطنات الرأسمالية المتقدمة البيضاء. بكلام آخر، تم قطع تطور المستعمرات في إفريقيا وآسيا لصالح تطوير المستوطنات البيضاء.

نستدعي هنا مساهمة جايروس بانجي، وهي وجوب التمييز بين علاقات الاستغلال (القنانة، العمل المأجور، العبودية) وعلاقات الإنتاج (الشكل المحدد تاريخياً، والذي تتخذه علاقات محددة للاستغلال) وقوى الإنتاج. يقام هذا التمايز من أجل إظهار أن نمط الإنتاج الرأسمالي – على وجه المثال- لا يمكن تحديده بمعيار وجود العمل المأجور. تكمن أهمية هذه الملاحظة في إثبات أن الحالة الاعتيادية في المستعمرات، كانت توسيع وتكثيف الأشكال المتخلفة السابقة للرأسمالية، كتنظيم العمل، وعلاقات الاستغلال كلّما انتشرت علاقات الإنتاج الرأسمالية. أسّسَت الرأسمالية في المستعمرات "منطقا متراجعا" للتراكم البدائي والتخلف الصناعي في المحيط.

إنَّ ضمَّ المستعمرات إلى الاقتصاد العالمي، يحافظ على الأنماط الإنتاجية السابقة على الرأسمالية، كما يكثف علاقات الاستغلال المتخلفة، فيما يؤخر توسع السوق المحلية والصناعة الرأسمالية المحلية، ولا يحدِّث هذه التشكيلات الاجتماعية.
يضيف بانجي: "... يمكن تلخيص السمات الاقتصادية الرئيسية في التشكيلات الاجتماعية الاستعمارية كما يلي: 1- تطور متأخر للعلاقات الإنتاجية الرأسمالية في الزراعة، وإنتاجية منخفضة للعمل الفلاحي، وبالتالي ركود مستويات الإنتاج. 2- بنية صناعية ذات شخصية متخلفة، وأحادية الجانب نابعة مباشرة من سياسات التراكم البدائي المتأخر 3- تركز الصادرات على محاصيل الزراعة.

تكثف العملية الاستعمارية في التصنيع حين حصولها على هذه الخصوصيات. وترتبط قسمات الاقتصادات الاستعمارية بالمعايير الطبقية، وبتطور بطيء لبروليتاريا صناعية، وغلبة الفلاحين المستخدمين كعمال موسميين بالأجرة، وغياب طبقة رأسمالية صناعية، والأهمية المتنامية للبرجوازية الصغيرة.
"وأخيراً، ضمن ما بعد الاستعمار، فإن الدولة ليست أداة طبقة واحدة، بل تحاول التوسط بين مصالح ثلاث طبقات مهيمنة: ملاكو الأرض، والطبقة الرأسمالية المحلية الصغيرة، والبرجوازية الكمبرادورية، وذلك عبر تأمين شروط وجود "النمط الاستعماري للإنتاج" أي تأمين شروط استخراج الفائض.

لكن هذا الموقف الوسطي لدى بانجي ليس واضحاً. ذلك لأنه توقف عند السؤال المركزي أي: لمن استخراج الفائض؟ ألا يقوم ذلك على أساس طبقي رأسمالي كلاسيكي؟ أي لصالح رأسمالية المركز، الذي تتقاسمه مع رأسمالية المحيط التابعة؟ أليس هذا نواة طبقية رأسمالية معولمة؟ كما لم ينتقل بانجي إلى المسألة الأهم في الجدل الماركسي وهي: مسألة القيمة على صعيد عالمي.

(هذا مقتطف من كتابي: الاقتصاد السياسي والطبقة منشورات مركز المشرق/ العامل للدراسات الثقافية والتنموية-رام الله 2017 ص ص 77-82)