"وفي 6ديسمبر/ كانون الأول 2021، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبُّون اعتزام بلاده استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية، ولاحقا استقبلت الجزائر وفودا تمثل الفصائل" وكالات.
ومنذ هذا التاريخ ونشرات الأخبار تردد أخبار الدعوة وأصدائها كما وتتكرر زيارة الوفود الفلسطينية للجزائر وغير الجزائر.
ويتوجب الإنتباه أن الأساسيّين في المصالحة هم كل من فتح )السلطة) وحماس ) السلطة والمقاومة) والباقي يتبع. ولا أرى ضرورة لاستعراض ملف المصالحة منذ ما قبل القسمة وما بعدها، ولا استعراض الموافقات والاتفاقات التي تمت برعاية مصرية وقطرية وسعودية وغير ذلك والتي يتوجب أن تكون دروسا للجزائريين الذين يتصدون لرعاية ملف المصالحة هذا الأسبوع.
وفقط أريد أن أذكِّر الجزائريين والقارئ بمصالحة من هذا القبيل حصلت قبل 35 عاما في الجزائر ولم تكن لها جدوى تذكر.
لقد انقسمت الساحة الفلسطينية مرات عديدة ويكون إحدى طرفي الانقسام حركة فتح ومن يتبقى معها، وتكون الجبهة الشعبية ومن معها في الطرف الآخر. وكانت جبهة الرفض أول انقسام عميق عام 1974م ثم كان انقسام التحالف الديموقراطي مقابل فتح بعد زيارة عرفات للسادات، وبعدها مجلس عمان واتفاق عمان مع عرفات. ثم تدخلت اليمن الديموقراطي )لرأب الصدع)؛ ولم يكن صدعا بل افتراقا حادا وتبعتها الجزائر وبمشاركة ليبيا وتمت صياغة اتفاقية عدن الجزائر عام 1987م، بعد أسبوع متواصل في الجزائر وضغط الرؤساء الموجودين بأنهم لن يسمحوا لهم بالمغادرة دون اتفاق وهكذا كان: وبالطبع انفرط العقد وظل أبو عمار يتصرف بأنه صاحب الربطة الرقابية في فتح وبصفته ممثل فتح في المنظمة يكون صاحب المنظمة، وبعد أن استشهد أبو جهاد وبعده كل من أبو إياد وأبو الهول أصبح صاحب فتح والمنظمة معا، ولم تجر أية إصلاحات لا على المنظمة ولا على فتح. ولذلك كان قرار الذهاب لمدريد وبعدها واشنطن وبعدها أوسلو وبعدها انشقاق فتح وحماس جغرافيا ولا زال حتى يومنا هذا.
وكل الوساطات التي حصلت لجمعهما معا ذهبت أدراج الرياح وستذهب هذه المحاولة كذلك.
وقد لفت انتباهي لدى مراجعة معظم ما صدر من تصريحات من طرف الجزائر وغيرها أمران هامان :
الأول: أن الرئيس الجزائري طوال وقت مبادرته كان على تواصل مع السعودية ومصر ودول عربية أخرى.
والأمر الثاني الأكثر أهمية أنه يجمعهما على المبادرة العربية أي على برنامج تسوية بل برنامج تسوية رديء ومرفوض وطنيا من جانب الشعب الفلسطيني.
في مرات عديدة كتبت عن المصالحة، ذكرت أن الضغوط السياسية من أجل المصالحة توجه لحماس وليس لفتح أوسلو أو السلطة فتح، ودائما أقول وأقول الآن أن هذه الضغوط كانت تؤثر على موقف حماس وتزحزحها باتجاه التنازلات مع أنه لم تكن حاجة لهذه المصالحة وليس لها حاجة الآن. وأن حماس ليست مضطرة لدفع ثمنها سياسيا كما كان يحصل سابقا مع فصائل منظمة التحرير والتي أشرت لبعضها أعلاه.
ربما ترى القيادة الجزائرية أن المسألة السياسية هي الأصعب.
وجوابي: هي ليست الأصعب. إن الاصعب هو التوفيق بينهما على الملفات الأخرى ذات الطابع التنظيمي والإجرائي والتقاسم، والتي سبق لهما أن توافقا عليها ولكن دون فائدة. وكلهم يدعون الرغبة في إصلاح النظام السياسي وإجراء انتخابات والتوافق على المجلس الوطني وغير ذلك.
والمسألة الأسوأ ما الذي ستقدمه الجزائر عن التنسيق الأمني الخطير جدا دائما والذي حول فتح إلى جهاز أمن تابع للامن الإسرائيلي؟ وهل تقبل حماس التجاوز عن هذا المف؟ وماذا ستقدم المصالحة عن التهدئة في قطاع غزة وعن سيطرة السلطة على سلاح غزة.
صحيح أن السعودية ومصر ويمكن قطر كذلك على الخط، وربما ينقلون الرسائل للإسرائيل وأمريكا. ولكن اسرائيل لا تحترم أمورا كهذه ولا وساطات كهذه بل ترى ما يخدم مصلحتها ولا تكترث للباقي. حماس توافق على التهدئة مفتوحة الأجل ولن يخرقها غير القرار الإسرائيلي، فهي تهدئة مطلوبة فقط من حماس من الجانب الفلسطيني التي تعلنها دوما كمطلب وتعلن التزامها بها، واسرائيل تتابع مصالحها الأمنية دون اكتراث لأي اتفاقات وتعطي نفسها حق المطاردة الساخنة.
وقول حماس أنها تتعاطى بجدية مع جهود الجزائر: "وقد أعلن الناطق باسم الحركة حازم قاسم -في تصريحات للأناضول- إن حماس تتعاطى بجدية كبيرة وإيجابية واضحة مع الجهد الجزائري بشأن المصالحة الفلسطينية، وهي بالفعل معنية بإنجاحها.."
أما الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية فلم يطرحا شيء سوى الترحيب بجهود الجزائر، أما بقية القوى فلا أهمية لا لمواقفها ولا لدرها.